عالمية الإسلام والتمازج الثقافي:

س: في ظل هذا التمازج الحاصل في العالم بين الثقافات هل تبقى مقولة "الإسلام دين عالمي" واقعية وتملك القدرة على المواجهة، وهل تملكون كمسلمين هذه المناعة من الغزو الثقافي والفكري الذي يفرض نمطاً واحداً من التفكير؟

ج: هناك فرق بين الأدوات المادية التي يملك فيها الآخرون ظروف الغزو فمثلاً يملك الآخرون الأجهزة الإعلامية كما يملكون القوة المادية والقوة السياسية والاقتصادية التي تتيح لهم أن ينفّذوا مآربهم في كل مكان في العالم. هذا صحيح، ولكنّنا نملك أصالة الفكر الإسلامي وإنسانية الفكر الإسلامي وعقلانية الفكر الإسلامي، ومن الطبيعي فإن الإنسان الذي أحاطت به التكنولوجيا من جميع الجهات لا يزال يبحث عن الروح ويبحث عن العقلانية الصافية، وعندما نلتقي بمفكرين كبار من الغربيين ممن دخلوا في الإسلام بعد ان كانوا مسيحيين او ماركسيين نعرف أن الإسلام يخترق فكر هؤلاء المثقفين الذين عاشوا الثقافة الغربية بكل عناصرها ولكنهم راوا في الإسلام الأصالة، ورأوا فيه الدين الذي يحترم الإنسان كلّه، فعندما نرى ذلك فإننا نشعر بواقعية أن الإسلام دين عالمي، ولكن المشكلة هي أن المسلمين لم يتحوّلوا إلى دعاة بل إنهم يعيشون في داخل ذواتهم أشكال التخلف، ومشكلتنا هي قيادات الجهل والتخلّف والخرافة التي أساءت إلى الإسلام، وإلاّ فلو عرف الناس الإسلام الأصيل، الإسلام القرآني، والإسلام المحمّدي، والإسلام الذي انطلق في خط الأئمة (ع) لرأوا ما يجعلهم يؤمنون به ويشعرون بأنه هو الذي يجلب لهم السعادة في الدنيا والآخرة.

قدرة الكوادر الحوزوية القيادية:

س: تتهم الكوادر الحوزوية بعدم قدرتها على القيادة لعدم إحاطتها بثقافة معمّقة في علمي الاقتصاد والسياسية، فلماذا لم تدّرس المادتان أعلاه بشكل منهجي في الحوزات، وهل هناك نظرية إقتصادية إسلامية واضحة وثابتة تقارع بالحجة والدليل النظريات الاقتصادية الوضعية؟

ج: أولاً: إن السياسة في الواقع ليست من القضايا التي تقرأ في كتاب ولعلّ أغلب السياسين من الذين يقودون العالم لم يدخلوا في كليات السياسة، بل كانت ناتجة عن تجربتهم السياسية وكانت ممارستهم هي التي جعلت لديهم الثقافة السياسية ولا نقول إن هناك مانعاً من تعلّم السياسة، بل أنه من الضروري جداً أن يكون للإنسان ثقافة سياسية. أمّا الاقتصاد فهو مما يلّم به المختصّون في هذا المضمار، ولكن يكفي الإنسان المسلم أو الحوزوي ان تكون لديه الخطوط النظرية الاقتصادية العامة. فهناك فرق بين الاقتصاد كمنهج والاقتصاد كعلم. نعم لا بد للذي يملك ثقافة الإسلام أن يعرف الاقتصاد الإسلامي كمذهب، أمّا أن يعرف الاقتصاد كعلم فحتى أغلب القيادات السياسية في العالم ليست لها خبرة في الاقتصاد بالمعنى العلمي للاقتصاد وإنما يحيطون بذلك من خلال المستشارين. نعم نحن نقول إن الطالب الحوزوي عندما يريد أن يحمل الإسلام رسالة للعالم لا بدّ أن يكون مثقفاً بثقافة تسدّ الفراغات التي يمكن ان يطلب الناس منه ان يملئها بالفكر الإسلامي.

تجريد النص عن صاحبه:

س: هناك من يذهب إلى وجوب تجريد النص عن صاحبه كي يتسنّى لنا فهم ذلك النص فهما موضوعياً، وذلك لا بدّ لنا من فصل النص عن سياقه الزماني أي نلغي مناسبة النص وهذا يجعلنا نقطعه عن الفترة التي نزل بها ليبقى عائماً أو مجرداً صالحاً لأن يفسّر على ما تقتضيه حاجات العصر وتطوراته، فماذا تقولون في مثل هذه النظريات؟

ج: النص أي نص سواء كان نصاً أدبياً او فلسفياً او قانونياً يخضع في فهمه لطبيعة القواعد التي تحكم فهم النص، فلكل لغة قواعدها في فهم النص، أي أننا عندما ندرس النص ـ أي نص ـ نجد أنه يمتلك خصوصية ما من خلال ما يحيط بالشخص الذي قاله أو خصوصية في الزمان أو المكان الذي انطلق فيه فكيف نستطيع تجريده من ذلك كله؟

إن تجرّد النص من خصوصيته، إذا كانت له خصوصية، ليست مسألة تملكها أنت بحيث تجرّده، او لا تجرده بل لا بد أن تنطلق من خلال قواعد اللغة في فهم النص. ونحن نعتبر النصوص القرآنية والنبوية والإمامية نصوصاً للحياة وللإنسان كلّه، ولذلك فهي ليست مؤطرة بإطار الزمان والمكان. كما نقول بأن القدماء فهموا القرآن بشكل معين ويمكن لنا أن نفهمه بطريقة أخرى، وأنهم فهموا كلام النبي(ص) بطريقة معينة ويمكن لنا ان نفهمه بطريق أخرى. والنصوص الإسلامية هي نصوص للحياة وليست خاصة بزمان او بمكان معين وربما كانت لبعض النصوص خصوصية في الزمان والمكان لذا فإننا نجعلها في زمانها ومكانها. وبعبارة أخرى ما أريد ان أقوله هو أن مسألة فهم النص لا بدّ ان تخضع للقواعد العلمية في فهم النص وليست أمراً مزاجياً واختيارياً يمكن للإنسان أن يتصرّف فيه على هواه.